بسم الله الرحمن الرحيم
" لا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها "
تلك هى الجملة التى قالتها " أسماء بنت أبى بكر " عندما جاء إليها ابنها " عبد الله " ليودعها الوداع الأخير حيث إنه كان من معارضى الحكم الأموى وكان يحارب الأمويين وكان قائد الأمويين فى ذلك الوقت قائد عنيد يدعى " الحجاج بن يوسف الثقفى " واستطاع بقوته و زكائه أن يسترد قواه وملكه بعدما قد سيطر على البلاد " عبد الله " ولكن دارت حروب دامية بين جيش " عبد الله " و جيش " الحجاج " ومات كثير من جيش " عبد الله " واستمر " الحجاج " فى مطاردته حتى وصل إلى العاصمة " مكة المكرمة " واستولى عليها حتى لم يبقى أمامه سوى المسجد الحرام والبيت العتيق الذى اتخذه مقرا لقيادته ثم دعاه " الحجاج " وقد تغلب عليه إلى الاستسلام وله ما يريد من المال والاراضى ومتع الحياة والعيش الناعم المريح لكنه أبى وامتنع وصمم على القتال حتى الموت أو النصر ولكن اشتد الحصار على ابن الزبير واستطاع قبل الفجر التسلل فى الخفاء ليذهب إلى أمه ليودعها الوداع الأخير وطرق الباب ودخل وما إن سمعت الأم صوته حتى فتحت له ذراعيها وحضنته ثم اضطجعت فى فراشها ودار بينهما حوار وهو كالتالى
عبد الله : كيف تجدينك يا أماه؟
أسماء : ما أجدنى إلا شاكية
فداعبها ولدها قائلا : إن فى الموت لراحة !
أسماء : لعلك تتمنى الموت لى !
عبد الله : لا والله يا أماه ما أتمناه ولكن ....
أسماء : وماذا بعد ولكن ..... اسمع يا عبد الله لا أحب أن أموت إلا بعد أحد الأمرين إما أن تنتصر على أعدائك ، أو أن تموت وأحتسبك عند الله
ساد الصمت بينهما قليلا ثم أخذ يشكو لها بمرارة خروج أصدقائه عليه والأعداء عرضوا عليه المال والجاه إن هو استسلم .
أسماء : أو تستسلم ؟!! يا بنى أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق أو تدعو إلى حق فاصبر عليه فقد قتل أصحابك عليه وإن كنت أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من معك كم خلودك فى الدنيا ؟ القتل أحسن والله لضربة سيف فى عز خير من ضربة سوط فى مذلة
عبد الله : أخاف يا اماه إن مت أن يمثلوا بجسدى
أسماء : وهل يضر الشاه سلخها بعد ذبحها
فاقترب عبد الله وقبلها فى جبينها وقال : هذا والله رأيى ما رجعت عنه ولكنى أحببت أن أعلم رأيك فزدتنى بصيرة فانظرى يا أماه فإنى مقتول فى يومى هذا فلا يشتد حزنك وجزعك على وسلمى الأمر لله
حبست الأم دموعها وتغلبت على ما يخالجها من آلام ثم قالت :-
إنى لأرجوا أن يكون عزائى فيك حسنا أخرج حتى أرى ما يصير إليه أمرك
ثم ضمته إلى صدرها وكانت الضمة الأخيرة ورفعت يدها إلى السماء وقالت :
" اللهم إنى قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فقابلنى فى عبد الله بثواب الصابرين الشاكرين"
وقد استشهد عبد الله فى سبيل الله ومثل بجسده وصلب على جذع نخلة على ثنية عند الحجون وعندما علمت أسماء جاءت إليه مسرعة وقالت
للحجاج :
أما آن لهذا الفارس أن ينزل ؟
الحجاج : تقصدين المنافق يا بنت أبا بكر؟
أسماء : لا والله ما كان أبدا منافقا ولكنه رضى الله عنه كان صواما بالنهار قواما بالليل برا بوالديه والمسلمين
فأمر عبد الملك بن مروان بتنزيله ودفن و بعد ذلك بأيام توفيت أسماء وهى صابرة محتسبة مؤمنة رحمها الله ورضى عنها